على مدى العشرين سنة الماضية، شهد عالم الفن في الشرق الأوسط تحوّلات جذريّة. وقد انتشرت مجموعة كاملة من المؤسّسات التي ضمَّت إلى منظومتها شبكة عالميّة من الفنانين والقيّمين وغيرهم من الممارسين، منها متاحف وبيناليهات ومساحات يديرها فنانون وبرامج تعليمية بحثيّة وفنيّة.
كغيرها، تعمل هذه المؤسسات اليوم في ظل الظروف المادية التي أوجدتها الرأسمالية المتأخرة والسياسات النيوليبرالية، وهي تواجه مآزق السّراوة والتَّسليع شبه الكامل للأعمال الفنيّة وغياب تمويل الدولة والاعتماد على الرعاية الخاصة والرّقابة وطُغيان خطاب حقوق الإنسان وتداعي المِهَن. في ظل هذه الظروف، وعلى ضوء انتقال «مركز بيروت للفن» إلى موقع جديد في مطلع العام 2019، حان الوقت للنظر في المستقبل المحتمل للمؤسسات في بيروت، وللتَّفكُّر في النماذج المؤسَّساتيَة على الصعيد العالمي.
ستبدأ سلسلة الحلقات النقاشية هذه بالتباحث في إمكانيّات تكييف البُنى والهيكليّات الموسَّساتيّة من ناحية البرامج المتزايدة الصّلابة والعمليّات البيروقراطية ونُهُج العَمَل. كيف يمكننا إعادة النّظر في المؤسَّسات خارج بنيتها التحتية؟ وما هي الصيغة القابلة للتكيُّف والقادرة على الاستجابة للاحتياجات المحدَّدة الآن – وما هي تلك الاحتياجات؟ سيكون من الضروري أيضاً النّظر في الممارسات الأخلاقية للمؤسسات وعَرض أبرز الأطراف الفاعلة فيها، ومناقشة الخطوات التي يجب اتخاذها في هذا المجال الخالي من الأنظمة الضوابط.
تركّز الحلقات النقاشية الثلاثة على ماضي وحاضر ومستقبل المؤسّسات في بيروت تباعاً. ستطرح الحلقة الأولى تساؤلاً حول ما الذي يمكن استخلاصه من ما يسمى بفترة «المؤسسة البدئيّة» في التسعينيّات والجهات الفاعلة الرئيسية فيها، بينما تتناول الحلقة الثانية مفهوم المؤسَّسة كحيّز لإنتاج هوية وطنية، واعتمادها على المساعدات الإنسانية، أمّا الحلقة الثالثة والأخيرة فسوف تنظر في الإمكانيات المستقبليّة للمؤسّسات في ظلّ المناخ السّياسي الحالي والقيود التي يفرضها.
حلقة نقاش مع جيوڤاني كارمين و رنا النمر و ماري موراكسيول، و تديره نتاشا غاسباريان.