bac-menu-icon

مدينة وحكاية. غابرييل باسيليكو، 1978-2012

29 فبراير, 2024 - 6 أبريل, 2024

يُعدّ غابرييل باسيليكو (ميلانو ، 1944-2013)  من بين أشهر فناني التصوير الفوتوغرافي الإيطاليين على مستوى العالم. يمكن العثور على أعماله في العديد من المتاحف المرموقة في جميع أنحاء العالم، وقد  نشر له أكثر من 120 كتابًا وكتالوجًا حتى الآن.  ألقى بعد تخرجه في الهندسة المعمارية في عام 1973، نظرةً تحليليةً ومتعمقةً على المشهد الصناعي والمناطق الحضرية، مسجلًا التحولات التي تميّز مرور الوقت وتتميّز بعملية التغليف البشري الحتمية للأماكن، وخاصة المدن.

يقدم المعرض الذي ينظمه المعهد الثقافي الإيطالي في بيروت مثالًا قيّمًا على المسيرة المهنية والفنية لباسيليكو. يعتبر كلا المنهجين متلازمين تقريباً في عمل باسيليكو، والذي تم توجيهه على مر السنين برؤية واحدة هي نتاج عمليّة تفاعليّة: في المحصّلة، وعي عميق بطريقة النظر إلى العالم، نظرة لا يستطيع إلا الفنانون ذوو الخبرة تحقيقها.

يَتتبّع المعرض المسيرة الفنيّة لغابرييل باسيليكو، بدءًا من “ميلانو، ريتراتي دي فابريتشي” [ميلانو. بورتريهات المصانع]، التي تمّ تصويرها في الفترة من 1978 إلى 1980، وعُرضت في جناح الفن المعاصر (Padiglione d’Arte Contemporanea) في ميلانو عام 1983. وقد كرّسَه هذا المعرض الفرديّ كواحدٍ من أكثر الشخصيات إبداعًا على الساحة الفوتوغرافية الوطنية والدولية في أوائل الثمانينيات. يتابع المعرض مع سلسلةٍ من الصور التي أُنتِجت لمهمةٍ تصويريةٍ منسّقةٍ من قِبَل DATAR (مفوضية التخطيط والعمل الإقليمي) نيابةً عن الحكومة الفرنسية. وتتضمن هذه السلسلة بعضًا من أشهر صور باسيليكو، مثل “لو تريبور – مير ليه باين” و “أولت”، وقد تم التقاط كلا الصورتين عام 1985.

عمل باسيليكو، في الوقت نفسه، على مجموعة من الموانئ الأوروبية: جنوى وهامبورغ و أنتويرب والتي كانت جزءًا من معرض “الموانئ البحرية”، الذي فاز بجائزة “بير موا دي لا فوتو/ “Prix Mois de la Photo”” في باريس عام 1990.

تُعدّ بيروت فصلًا هامًا آخرًا في أعمال باسيليكو. زار الفنان الميلاني العاصمة الشرق أوسطية أربع مرات بين عامي 1991 و2011. تمت دعوته في المرة الأولى، من قبل مؤسسة الحريري، إلى جانب كلًّ من جوزيف كوديلكا، وريمون ديباردون، وروبرت فرانك، ورينيه بوري، وفؤاد الخوري، بعد عام واحد من انتهاء الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان من 1975عام  إلى 1990، إلى المدينة مدمرة وشبه مُندثرة.  سجّل باسيليكو بعد برهة من الارتباك، تساءل خلالها عن كيفية التعامل مع هذه المناظر الطبيعية المعذبة، جروح المدينة بعدسته وأنتج بعضًا من أشهر صوره التي يكشف فيها عن النهج الواضح والمحترم والعادل الذي يبدو أنه التلخيص المثالي لفكره، والذي عززت بساطته الطبيعة الدراماتيكية للمكان والأحداث.

عاد باسيليكو إلى بيروت تباعًا في الأعوام 2003 و2008 و2011 في مهمات تصويرية جديدة، نسقها فؤاد الخوري مع روبرت بوليدوري وكلافديج سلوبان، ليجد مدينةً جديدة،ً أعيد بناؤها إلى حدّ كبير، فقدّم عنها تفسيرًا يتماشى مع البحث الذي أجراه والمهام التي تلقاها على مدى السنوات العشرين الماضية، لذا لم يكن من المستغرب عرضها بالألوان، وهو نمط مغاير للأبيض والأسود الذي استُخدم بشكل متزايد في الألفية الجديدة.

يضيف باسيليكو في هذه الفواصل الطويلة، التي تحتضن الدورة المخصصة لبيروت، اللّون، ولكن الأهم من ذلك أنه يوسع نظرته ويكبّر مداها، فيما يظلّ يولي اهتمامًا كبيرًا للعنصر المعماري، من خلال دراسة أشكاله وأحجامه، التي تجعله شبه ملموس، وأكثر قربًا ومباشرةً، من خلال التصوير الفوتوغرافي، بالتأكيد.

يتضح ذلك من خلال الصور في هذا التشكيل، من باريس وباليرمو وبرشلونة وبورتو، ومن بيلباو ونابولي وبرلين أيضًا، حيث لا يزال المرء يندهش دائمًا بالبحث عن التوازن الشكلي، (بغض النظر عن جودة الهندسة المعمارية): التلاقي البصري، كما في حالة باليرمو ومونتي كارلو، والضوء والظل وعلامات الحاضر، والسيارات في برشلونة، والتاريخ، ونقطة التفتيش “تشارلي” في برلين، فهي لا تكمل البناء البصري المرئي للصورة فقط، بل تضعها في سياقها، وتحوّل الصورة إلى وثيقة. وثيقة تصبح عملاً فنيًا.

في الوقت نفسه، وبشكل خاص في حملات عام 2007، في موسكو وسان فرانسيسكو، حيث تمت دعوته من قبل متحف الفن الحديث لتصوير وادي السيليكون، اتسع مجال الرؤية الذي يشمله التصوير الواسع للكاميرا التماثلية وارتفع نتيجة الوعي الجديد الذي اكتسبه الفنان. لم يعد اختيار نقطة الرؤية مجرد نتيجة لمسح طويلٍ ودقيقٍ، بل عُصارة تجربةٍ كاملةٍ عاشها المصور بكرم واحترام لامتناهي للمكان ولأولئك الذين يحيونه ويعيشونه ويغيرونه كل يوم.

تضاف خطوة أساسيّة جديدة إلى طقوس الملاحظة والتوثيق، وهي خطوة تتزامن مع ممارسة فنيّة أكثر نضجًا: نوع من التفكير المشارك، غير محتمل، ومختلف عن السحر.نفس النظرة الحكيمة التي نتعرف إليها في صور شنغهاي وريو دي جانيرو واسطنبول، وقبل كل شيء، في الصور الليلية لميلانو، المدينة التي ينتمي إليها.

يُنَظّم هذا المعرض من قبل المعهد الثقافي الإيطالي بالتعاون مع مركز بيروت للفنون وأرشيف غابرييل باسيليكو، وبرعاية السفارة الإيطالية في لبنان.