bac-menu-icon

مروة أرسانيوس: إنحدار أفقي

Marwa Arsanios

28 يونيو, 2017 - 29 سبتمبر, 2017

“المادة كالمعنى، لا تّصاغ بشكل فردي كما أنها ليست كينونة جامدة. المادة ليست شذرات صغيرة من الطبيعة أو صفحةً بيضاء أو  بقعةً من الخواء في انتظار المحتوى، كما أن المادة ليست محلًا للتنظير العلمي أو النسوي أو الماركسي. المادة ليست خاملة وليست غير قابلة للتحّور، لا تحتاج لفاعل من خارجها كالثقافة أو التاريخ ليكمّلها. المادة هي تاريخٌ قيد التدوين باستمرار.”

كارن بَراد، أدائيةٌ ما بعد بشرية: نحو فهمٍ جديد

كيف تصبح المادة مادة

في لبنان ما بعد الحرب، هناك حدثان يفصلهما عقدٌ ونيف من الزمن يشكلان معًا بعضًا من أوجه النيولبرالية الصاعدة، والتي بدأت تتضح عالميًا منذ ثمانينات القرن الماضي. في هذا المعرض تتتبّع مروة أرسانيوس مسارًا متصلًا يمتد بين “أزمة النفايات” في العام 2015 بعد قرار الحكومة اللبنانية بإقفال مطمر الناعمة ما أدّى إلى طمر النفايات في البحر مباشرةً، وإعادة إعمار منطقة وسط بيروت في أوائل تسعينات القرن الماضي. خلال هذه الفترة، قام أوليغارشات العقار بتحويل أطنان من القمامة ومخلفات الهدم من البر إلى البحر، بهدف توليد أراضٍ جديدة من ردم البحر والاستحواز على العقارات التي انخفضت قيمتها في الجوار.

تدرس أرسانيوس هاتين اللحظتين لتؤطّر التحوّلات الشاملة التي ساقتها الرأسمالية المتأخرة وآثارها على الفضاء البيئي والسياسي الاجتماعي في لبنان. من خلال تقديم الدلائل المادية على هذه التحوّلات يعالج عمل أرسانيوس المادة كتاريخ “قيد التدوين باستمرار”، بحسب المنظّرة الأميركية كارن بَراد. من خلال نماذج طبوغرافية لمطامر بيروت ورسومات لأشكال الحياة الطبيعية فيها، والتي تشكل نظامًا إيكولوجيًا مناوئًا يعمل في محيط من السموم، تخطّ أرسانيوس حدود الأرض المتوغّلة في البحر كجزر على وشك التحوّل إلى واحاتٍ عقاريةٍ تكرّس لأنظمةٍ مختلفةٍ من الحياة. هذه الأدوات والاستراتيجات الخرائطية ترجّح وجود دورٍ فاعلٍ للمادة – سواء جامدة أو حيّة، تعيش في هذه المواقع تحديدًا وفي المدينة إجمالًا –  في إنتاج وعمل السلطة.

يُتوّج هذا المشروع بفيلم هو “انحدارٌ أفقي” (2016-2017)، والذي يتّخذ المعرض من اسمه عنوانًا له. ينطلق الفيلم من حدث تدمير المنزل الذي ترعرعت فيه الفنّانة ضمن مخطط إعادة إعمار منطقة وسط بيروت. تتجاور في هذا الفيلم لقطات من المنزل المهجور والمفرغ من أمتعته في انتظار مصيره من الهدم، مع لقطات تصوّر المآل الأخير لهذا الحطام حيث يستنهض الأحلام العقاريّة التي تنتظر أن تتحقّق على الأرض المردومة من البحر.