برأي غودار في كتابه ت(و)اريخ السينما أن “ألفريد هيتشكوك هو الشاعر الملعون الوحيد الذي حقق النجاح”. على الرغم من غودار، لم يكن هيتشكوك شاعرًا ملعونًا. دوغ رايس، مؤلف كتاب دمُ مُحايد (١٩٩٦)، هو مثال على الشاعر الملعون المُعتاد، الذي لا يلقى النجاح، وديفيد لينش، الذي أخرج، ضمن أعمال أخرى، الحلقة ٨ من الموسم الثالث من مسلسل قمتين توأم (٢٠١٧) والإمبراطورية الداخلية (٢٠٠٦) والأرانب (٢٠٠٢) وطريق مولهولاند (٢٠٠١) والطريق السريع المفقود (١٩٩٧)، هو مثال على الشاعر الملعون الذي لاقى بشكل استثنائي نجاحًا نقديًا وأكاديميًا وشعبيًا (وهو شيء قيّم فقط عندما يحدث خلال أزمنة ثورية)، إن لم يكن الشاعر الملعون الوحيد الذي فعل ذلك، في حين أن الصوفي الحسين بن منصور الحلاج، صاحب شطح “أنا الحق”، وهو مدافع قوي عن الملعون النموذجي في الإسلام، إبليس، هو مثال لشاعر ملعون لاقى نجاحًا باطنيًا يليق بهذا النوع من الشعراء، كالمرّة التي توسل فيها إلى الله في حضور الناس المجتمعين في مسجد المنصور في بغداد، “بيني وبينك أنيٌّ يزاحمني فارفع بأنّيك أنيّي من البينِ”، ثم قال “اعلموا أن الله تعالى أباح لكم دمي فاقتلوني” وارتَقَب “عَلى دينِ الصَليبِ يَكونُ مَوتي”، ومن ثم حُكم عليه بالصلب، وشُبّه للجمع أنه مات على الصليب. إذا كان هيتشكوك قد لاقى نجاحًا، ليس على المستوى الشعبي فحسب، بل أيضًا على المستوى النقدي والأكاديمي، فذلك لم يكن لأنه، وعلى الرغم من رأي جودار (“إذا كان ألفريد هيتشكوك هو الشاعر الملعون الوحيد الذي حقق النجاح، فذلك لأنه كان أعظم مبدعٍ أشكال في القرن العشرين”)، أعظم مبدعي الأشكال في القرن العشرين — كان هناك العديد من مبدعي الأشكال مِن مَن هم أعظم، بين رسامي (فرانسيس بيكون، مثلًا) وصانعي أفلام (تاركوفسكي، باراجانوف، سوكوروف، بوكانوسكي، الأخوين كواي، مثلًا)، إلخ، القرن العشرين — بل لأنه ساوم، إذ لم يكن جذريًا بما فيه الكفاية، وبالتالي صنع أفلامًا هي إلى حدّ ما إخفاقات فنية، كما يتضح من العديد من عمليات إعادة صناعة وإعادة صياغة أفلامه من قبل صانعي أفلام وفنانين آخرين، بما فيهم أنا (تنويعات دُواريَّة على الدُوار [٢٠١٦])، والنسخة الجديدة التي قام بها بنفسه لأحد أفلامه، الرجل الذي عرف أكثر مما ينبغي (١٩٣٤ و١٩٥٦) — يمكن النظر إلى فيلم مضطرب العقل (١٩٩٨) للمخرج غاس فان سانت، وهو إلى حد كبير “نُسخة مقلّدة لقطة بلقطة”، على أنه يوحي حدسيًا إلى أن فيلم هيتشكوك مضطرب العقل، إلى حد ما وبشكل استثنائي من بين أفلامه، ليس فشلًا فنيًا لأنه لم يتطلب أن تُعاد صياغته (إلى حد كبير) في نُسخة بديلة.
عبر تنويعات ظاهرة وضمنية عليها، وعبر طرق أخرى، يُقدم هذا المعرض خمسة أفلام لهيتشكوك كما لم تُشاهدوها من قبل.
جلال توفيق
يصاحب المعرض كتاب، بعنوان تنويعات ظاهرة وضمنية على هيتشكوك، يجمع نصوص جلال توفيق حول هيتشكوك.